القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
محاضرة عن القرآن والسنة
6292 مشاهدة
الأمر باتباع القرآن الكريم


وبعد أن عرفنا ما يتعلق بفضل الكتاب والسنة نقول: إن واجبنا أن نتعلم القرآن ونتعلم السنة وذلك هو ما فرضه الله -تعالى- علينا، فأولا: أخبر -تعالى- بأن هذا القرآن وهذه السنة وهذا الإسلام هو الصراط المستقيم الذي نحرص على اتباعه فقوله -تعالى- في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فسر الصراط بأنه القرآن، وفسر بأنه الإسلام، وفسر بأنه الرسول والكل حق ومعنى اهْدِنَا يعني: دلنا عليه وثبتنا عليه وأرشدنا حتى نعمل به، فيكون ذلك مدحا للقرآن وللسنة بأنه الصراط السوي، بأنه الصراط المستقيم الذي من صار عليه نجا، ومن تركه هلك وتردى فصراط الله تعالى هو سبيله الموصل إليه، ولا شك أن من اتبع القرآن واتبع السنة فإنه يصل إلى رضا الله ويصل إلى ثوابه.
وكذلك أيضا كثرت الأدلة التي فيها الأمر باتباع القرآن ، والسير على نهجه يكثر ذلك في أوائل السور؛ ففي أول سورة البقرة يقول الله -تعالى- ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الإشارة إلى القرآن أي القرآن الذي أنزل عليكم هدى للمتقين؛ أي معناه اهتدوا به واعملوا به إذا أردتم أن تكونوا من المهتدين فمن عمل به فقد اهتدى، ومن تركه فقد ضل وغوي، والمتقون هم أولياء الله الذين حققوا تقوى الله -تعالى- فهو هدى يعني: دليلا لهم، الهدى هو: ما يهتدى به وما يسار على ضوئه، هكذا مدحه الله أخبر بأنه لا ريب فيه فإذا شك فيه ليس يتطرق إليه شيء من الشك أو الريب، كذلك في أول سورة آل عمران قال الله تعالى: الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ .
فالكتاب هو القرآن نزله بالحق، والفرقان هو القرآن أخبر بأنه نزل عليك الكتاب بالحق؛ أي مشتملا على الحق ولا شك أن هذا مدح له، وأمر بالسير على نهجه حتى يصير من تمسك به من أهل الاستقامة، وهكذا أيضا قول الله تعالى في أول سورة الأعراف: المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ يعني: لا تتحرج منه أن تبلغه، وأخبر بأنه تذكير للمؤمنين وأمر بالاتباع له في قوله: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ هكذا أمرنا باتباعه: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ومعنى ذلك: تقبلوا ما أنزل إليكم وهو هذا الكتاب الذي أنزله على نبيكم قال: فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ أي تحذر به من خالفه ومدحه بأنه ذكرى وموعظة وإرشادا لمن أراد الله به خيرا.
لا شك أن هذا أمر لنا: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ الاتباع هو السير على نهجه يعني: تقبلوه واعملوا به وطبقوا تعاليمه وبذلك تكونون حقا من الذين قبلوا القرآن وعملوا به، فأما من لم يقبله فليس من أهله وليس من العاملين به، هكذا يأمرنا: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ وهكذا أيضا يمدح الله -تعالى- القرآن في أوائل السور كقوله: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ الحكيم: المحكم، وكذلك المبين :الذي هو بين واضح، وصفه الله -تعالى- بهذه الصفات حتى يعمل به العباد وحتى يتقبلوه، كذلك أيضا يأمرنا بأن نعمل به؛ العمل به هو تقبل كل ما جاء في القرآن وعدم رد شيء منه.
فمتى سمع المسلم آية تتلى عليه من كتاب الله فإن عليه أن يحرص على أن يطبقها وأن يعمل بها ولا يرد شيئا من كتاب ربه؛ ليكون بذلك من المتبعين حقا، متى لم يرد آية ولم يخالف دليلا فإنه يكون من المتبعين حقا لكتاب الله تعالى ولسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
واجبنا أن نعمل به وأن نتلوه حق تلاوته قال الله -تعالى- الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ هذا من الواجب يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ فهذا من أول ما يجب على المسلم أن يتعلم القرآن؛ يتعلمه يعني: يقرأه ويستمع إليه ويتدبره ويحرص على أن يحفظ منه ما تيسر، يحرص على أن يتعلم آياته ودلالاته، وقد كان الصحابة رضي الله -تعالى- عنهم يحرصون على تعلمه وعلى تدبره وعلى العمل به، فكانوا يفتخرون بذلك ما أن يسلم أحدهم إلا ويعكف على قراءة القرآن وعلى حفظه أو حفظ ما يقدر عليه منه.